انهزام الأحزاب وانتصار المسلمين
يؤمن المسلمون أن الله تعالى استجاب دعاءَ نبيه على الأحزاب، فصرفهم بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف، ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده سبحانه، فقد كان الرسولُ محمد يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده».[72] وجاء في سورة الأحزاب الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا .[73] قال القرطبي في تفسير هذه الآية:[74]
غزوة الخندق وكانت هذه الريح معجزة للنبي ؛ لأن النبي والمسلمين كانوا قريبًا منهم، ولم يكن بينهم إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها ولا خبر عندهم بها ... وبعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيول بعضها في بعض، وأرسل عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر حتى كان سيد كل خباء يقول: «يا بني فلان هلم إليَّ»، فإذا اجتمعوا قال لهم: «النجاء النجاء»، لما بعث الله عليهم الرعب. غزوة الخندق
رسم للمسجد النبوي عام 1857م، الذي أُنشأَ فيه أولُ مستشفى إسلامي حربي في غزوة الخندق سنة 5هـ
وكان الرسولُ يتابع أمر الأحزاب، وأحب أن يتحرى عما حدث عن قرب فقال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة»،[75] فاستعمل أسلوب الترغيب، وكرره ثلاث مرات، وعندما لم يُجْدِ هذا الأسلوب لجأ إلى أسلوب الجزم والحزم في الأمر، فعين واحدًا بنفسه فقال: «قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ».[76] قال حذيفة بن اليمان العبسي الغطفاني: «فمضيت كأنما أمشي في حمَّام، فإذا أبو سفيان يُصلى ظهره بالنار، فوضعت سهمًا في كبد القوس، وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله : «لا تذعرهم عليَّ»، ولو رميته لأصبته، فرجعت كأنما أمشي في حمَّام، فأتيت رسول الله وأصابني البرد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله وألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله : «قم يا نومان»».[77] ويروى أنه لما كان حذيفة عند الأحزاب، قال أبو سفيان: «ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه»، قال حذيفة: فضربت بيدي على يد الذي على يميني فقلت: «من أنت؟»، قال: «معاوية بن أبي سفيان»، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي، فقلت: «من أنت؟»، قال: «عمرو بن العاص»،[78] وهكذا بدرهم بالمسألة حتى لا يتيح لهم فرصة ليسألوه، وبهذا تخلص من هذا المأزق الحرج الذي ربما كان أودى بحياته.[79]
الشعر والهجاء بين الفريقين
بعد تفرق قبائل الأحزاب انبرى شعراؤهم لتهوين انهزامهم، ومن القصائد التي ذكرت بغزوة الخندق:
قصيدة لضرار بن الخطاب الفهري القرشي، أحدِ شعراء الأحزاب، يهجو فيها المسلمين ويتوعد بغزوهم كرة أخرى فيقول:[80]
ومشفقة تظن بنا الظنونا وقد قدنا عرندسة طحوناً
كأن زهاءها أحد إذا ما بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا
وجرداً كالقداح مسومات نؤم بها الغَواة الخاطئينا
كأنهم إذا صالوا وصُلنا بباب الخندقين مصافحونا
أناسٌ لا نرى فيهم رشيداً وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهم شهراً كريتاً وكنا فوقهم كالقاهرينا
نُراوحهم ونغدو كل يوم عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات نقدُّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرِّيات إذا لاحت بأيدي مصلتينا
وميضُ عقيقةٍ لمعت بليلٍ ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا لدى أبياتكم سعداً رهيناً
إذا جن الظلام سمعت نوحاً على سعدٍ يرجعن الحنينا
وسوف نزوركمُ عما قريبٍ كما زرناكمُ متوازرينا
بجمعٍ من كنانة غير عُزلٍ كأسد الغاب إذ حمَت العرينا
فأجابه كعب بن مالك السلمي الخزرجي أحد شعراء المسلمين قائلاً:[81]
وسائلةٍ تسائل ما لقينا ولو شهدتُ رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلاً على ما نابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدقٍ به نعلو البرية أجمعينا
نقاتلُ معشراً ظلموا وعقوا وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعالجهم إذا نهضوا إلينا بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغاتٍ كغُدران الملا مُتَسَرْبلينا
وفي أيماننا بيض خفاف بها نشفي مِراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسداً شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا على الأعداء شوساً معلمينا
لننصر أحمداً والله حتى نكون عبادَ صدقٍ مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك وأن الله مولى المؤمنينا
فأما تقتلوا سعداً سفاهاً فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنات طيباتٍ تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردَّكم فلاً شريداً بغيظكم خزاياً خائبينا
خزاياً لم تنالوا ثَم خيراً وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريحٍ عاصف هبّتْ عليكم فكنتم تحتها متكمِّهينا
وقد قال الرسولُ محمدٌ لشاعر المسلمين حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يوم قريظة: «اهج المشركين، فإن جبريل معك».[82]
أول مستشفى إسلامي حربي[عدل]
أنشأ المسلمون أول مستشفى إسلامي حربي في غزوة الأحزاب، فقد ضرب الرسولُ محمدٌ خيمةً في مسجده في المدينة، عندما دارت رحى غزوة الأحزاب، فأمر أن تكون رفيدةٌ الأسلميةُ الأنصاريةُ رئيسةَ ذلك المستشفى، وبذلك أصبحت أولَ ممرضة عسكرية في الإسلام،[83] وجاء في السيرة النبوية لابن هشام: «وكان قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من به ضيعة من المسلمين، وكان قد قال لقومه حين أصاب سعدَ بنَ معاذ السهمُ بالخندق: «اجعلوه في خيمة رفيدة، حتى أعوده من قريب»».[84]
ويُفهم من النص السابق أن من أصيب من المسلمين إن كان له أهلٌ اعتنى به أهلُه، وإن لم يكن له أهلٌ، جيء به إلى المسجد حيث ضُربت خيمةٌ فيه لمن كانت به ضيعةٌ من المسلمين، وسعد بن معاذ الأوسي، ليس به ضيعة، ولكن لمَّا أراد الرسولُ محمدٌ الاطمئنان عليه باستمرار، جعله في تلك الخيمة التي أعدت لمن به ضيعة وليس له أهل، ذلك أن هؤلاء هم في رعاية الرسولِ محمدٍ.[1]
القتلى في غزوة الخندق
القتلى من المسلمين
استمرت غزوة الخندق والحصار مضروب، فما مضت أسابيع ثلاثة على ذلك الحصار حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين، على حين بقيت جبهةُ المسلمين سليمةً لم تثلم، ومع كثرة الأحزاب وتحرشاتهم ومناوشاتهم المستمرة طيلة تلك المدة إلا أنه لم يقتل من المسلمين إلا عدد قليل وهم:
سعد بن معاذ الأشهلي الأوسي، سيد الأوس وحامل لوائهم يوم الخندق. رماه حبان بن العرقة بسهم فمات به بعد شهر، وهو حبان بن أبي قيس العامري القرشي.[85]
أنس بن أوس بن عتيك الأوسي، رماه خالد بن الوليد بسهم فقتله.[86]
عبد الله بن سهل الأشهلي الأوسي.
ثعلبة بن عنمة السلمي الخزرجي.
طفيل بن النعمان السلمي الخزرجي، قتله وحشي.
كعب بن زيد النجاري الخزرجي، قتله ضرار بن الخطاب الفهري القرشي، ويُقال أن الذي أصابه هو أمية بن ربيعة بن صخر الدؤلي الكناني.
سليط
سفيان بن عوف الأسلمي، فقد رُوي أن الرسولَ محمداً بعث سليطاً وسفيانَ بن عوف الأسلمي طليعةً يوم الأحزاب، فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء التفت عليهم خيل لأبي سفيان، فقاتلا حتى قُتلا، فأُتيَ بهما إلى الرسولِ محمدٍ فدُفنا في قبر واحد، فهما الشهيدان القرينان.[87]
سنان بن صيفي السلمي الخزرجي.[88]
القتلى من الأحزاب
منبه بن عثمان بن عبيد العبدري القرشي، أصابه سهم فمات منه بمكة.
نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي القرشي، اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك، ولأهميته لدى المشركين، فقد بعثوا لشراء جسده ليدفنوه فأعطاهم الرسولُ محمدٌ إياه وقال: «لا خير في جسده ولا في ثمنه».[89]
عمرو بن عبد ود العامري القرشي، قتله علي بن أبي طالب في مبارزة جرت بينهما.
حسل بن عمرو بن عبد ود العامري القرشي، فقد قال ابن هشام: وحدثني الثقة أنه حُدّث عن ابن شهاب الزهري أنه قال: «قتل عليٌّ يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو».[88]
بعد غزوة الخندق
نتائج غزوة الخندق
لقد كانت غزوة الخندق من الغزوات المهمة التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم وحققوا فيها نتائج مهمة منها:
انتصار المسلمين وانهزام أعدائهم، وتفرقهم ورجوعهم مدحورين بغيظهم قد خابت أمانيهم وآمالهم.
تغير الموقف لصالح المسلمين، فانقلبوا من موقف الدفاع إلى الهجوم، وقد أشار إلى ذلك الرسولُ محمدٌ حيث قال: «الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم».[90]
كشفت هذه الغزوة يهود بني قريظة وحقدهم على المسلمين وتربص الدوائر بهم، فقد نقضوا عهدهم مع الرسول محمد في أحلك الظروف وأصعبها.
كشفت غزوة الأحزاب حقيقةَ صدق إيمان المسلمين وحقيقةَ المنافقين وحقيقةَ يهود بني قريظة.
كانت غزوة بني قريظة نتيجةً من نتائج غزوة الأحزاب، حيث تم فيها محاسبةُ يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد مع الرسول في أحلك الظروف وأقساها.[1][91]
غزوة بني قريظة
يؤمن المسلمون أنه في اليوم الذي رجع فيه الرسولُ محمدٌ إلى المدينة، جاءه جبريل عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: «أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب»، فسار جبريل في موكبه من الملائكة، فأمر الرسولُ محمد مؤذناً فأذن في الناس: «من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة». واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية علي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالةً قبيحةً لرسول الإسلام محمدٍ.[13]
وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة،[92] ولما اشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة، أرادوا الاستسلام والنزول على أن يحكِّم الرسولُ فيهم سعدَ بنَ معاذ، ونزلوا على حكمه، ورأوا أنه سيرأف بهم بسبب الحلف بينهم وبين قومه الأوس، فجيء بسعد محمولاً؛ لأنه كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق، فقضى أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم، فأقرّه الرسولُ محمد، وقال: «قضيت بحكم الله»،[93] ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة، حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وقد نجا مجموعة قليلة جداً بسبب وفائها للعهد ودخولها في الإسلام، وقسمت أموالهم وذراريهم على المسلمين. ويرى المسلمون أن هذا جزاءٌ عادلٌ نزل بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين، وكان جزاؤهم من جنس عملهم، حين عرَّضوا بخيانتهم أرواحَ المسلمين للقتل، وأموالَهم للنهب، ونساءَهم وذراريهم للسبي، فكان أن عوقبوا بذلك جزاءً وفاقًا.[94]
ولم تُقتل من نساء بني قريظة إلا واحدة، تروي السيدة عائشة بنت أبي بكر قصتها فتقول: «لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: «أين فلانة؟»، قالت: «أنا والله»، قلتُ: «ويلك وما لك؟»، قالت: «أُقتل»، قلتُ: «ولم؟»، قالت: «حدثًا أحدثتُه»، (وكانت قد طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلها رسول الله به)، فانطلق بها فضُربت عنقُها»، وكانت عائشة تقول: «والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل».[95] وبالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تمامًا من الوجود اليهودي، وصارت خالصة للمسلمين.[1]
وجمع الصحابة الغنائم التي خلفها بنو قريظة، فكانت من السيوف ألفًا وخمسمائة سيف، ومن الرماح ألفي رمح، ومن الدروع ثلاثمائة درع، ومن التروس ألفًا وخمسمائة ترس وجحفة، كما تركوا عددًا كبيرًا من الشياه والإبل وأثاثًا كثيرًا وآنية كثيرة، ووجد المسلمون دنانًا من الخمر، فوزعت الغنائم وهي الأموال المنقولة كالسلاح والأثاث وغيرها بين المحاربين من أنصار ومهاجرين ممن شهدوا الغزوة، فأعطي أربعة أخماس الغنائم لهم، إذ جعل للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، فالفارس يأخذ ثلاثة أسهم له ولفرسه، وغير الفارس يأخذ سهمًا واحدًا له، والخمس المتبقي هو سهم الله ورسوله المقرر في القرآن،[96] وأما ما وجد الرسولُ محمد والمسلمون من الخمر عند بني قريظة فقد أراقوه ولم يأخذوا منه شيئاً، ولم ينتفعوا به كذلك. وأما الأموال غير المنقولة كالأراضي والديار فقد أعطاها الرسولُ للمهاجرين دون الأنصار، وأمر المهاجرين أن يردوا إلى الأنصار ما أخذوه منهم من نخيل وأرض، وكانت على سبيل العاريَّة، ينتفعون بثمارها،[97] وقد جاء في القرآن الكريم عن تلك الأراضي والديار الآيةُ هذه: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا 27..[98] هذا وقد أرسل الرسولُ محمد سعدَ بن عبادة بالخمس من الذرية والنساء إلى الشام فباعها، واشترى بالثمن سلاحًا وخيلاً ليستعين به المسلمون في معاركهم مع الأعداء من يهود ومشركين، وكذلك بعث إلى نجد سعد بن زيد فباع سبيًا واشترى سلاحًا.[97]
مقتل كعب بن أسد رئيس بني قريظة
وجيء برئيس بني قريظة كعب بن أسد، وقبل أن يضرب الرسولُ محمدٌ عنقَه جرى بينه وبين كعب الحوارُ التالي: قال الرسولُ محمدٌ: «كعب بن أسد؟»، قال كعب بن أسد: «نعم يا أبا القاسم»، قال الرسول محمد: «ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقًا بي، أما أمركم باتباعي، وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟»، قال كعب: «بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيِّرني يهودٌ بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود»، فأمر الرسولُ محمدٌ بضرب عنقه فضربت.[99] ومما ترويه كتب السيرة النبوية عن يهود بني قريظة أنهم كانوا يُرسَلون طائفة تلو طائفة لتضرب أعناقهم، وقد سألوا زعيمهم كعب بن أسد فقالوا: «يا كعب ما تراه يصنع بنا؟»، قال: «أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع؟ هو والله القتل».